ما هى الإضطرابات النفسية؟
تعتبر الشخصية، بحسب تعريفات علم النفس العلاجي, هي اسمٌ جامعٌ مركبٌ من الطبع, الصفات, الأحاسيس, الأفكار والسلوكيات المتأصلة والفريدة لدى شخص معين؛ فمن الممكن إيجاد تنوّع واسع بين الأشخاص، من حيث الصفات والتراكيب الشخصية، في تجمع سكاني واحد. عندما تكون هذه التراكيب المختلفة للشخصية حادة, تفتقد إلى الليونة ودائمة التردد, فعندها تُدعى بالشخصية “غير الطبيعية” (أو أن صاحبها يعاني من الاضطرابات النفسية)، إذ عندما تطرأ ظروف مغايرة تتطلب ليونة في هذه المكوّنات الشخصية, فإذا كان الشخص ذا مركِّبات تفتقر إلى الليونة في شخصيته، فقد تحُد من قدرته على التأقلم, وبالتالي يكون المصاب باضطرابات الشخصية معرضًا للوقوع في الأزمات والمعاناة, عاجزًا عن ممارسة حياة طبيعية. لا يعي ذو الشخصية غير الطبيعية إشكالية هذا الاختلاف, بل يكون على قناعة أن المشكلة التي تواجهه تكمن في الأشخاص والظروف المحيطة به, وهذا ما يعيق احتمالات العلاج، إذ لا يستجيب الشخص للعلاج، وفي أكثر الحالات لا يرى حاجة للعلاج أو التغيّر. يبدأ ظهور هذه الشخصية غير الطبيعية عند الفرد في جيل المراهقة, وخلافًا للمرض النفسي, تعتبر الشخصية غير الطبيعية تركيبة ثابتة للفرد، ومن غير الوارد أن يؤثر فيها العلاج الدوائي. قد يكمن أصل المشكلة – لتشكّل الشخصية غير الطبيعية (أو للاضطراب في الشخصية) – في العوامل الوراثية والعوامل المحيطة. يتم تصنيف أنواع اضطرابات الشخصية لمجموعات وأنواع محددة، بحسب نظام تصنيف وتشخيص أنواع الشخصية المتعارف عليه في علم النفس العلاجي (DSM). يتم التصنيف وفق عوامل مشتركة لأنواع مختلفة، بحيث تحوي كل مجموعه أنواعًا مختلفة، إلا أن بينها عوامل أساسية مشتركة؛ مما يعني أن من الوارد وجود شخصيات مختلفة في ذات المجموعة.
يتوفر العلاج النفسي المرضي لمعالجة هذه الظاهرة، كما وتتوفر علاجات دوائية مساعدة لمنع، أو علاج المخاوف التي تنشأ عند المرضى في مثل حالات الاكتئاب والخوف.
المجموعة الأولى
تندرج ضمن هذه المجموعة أنواع الأشخاص الانعزاليين أو المنعزلين والذين يعتبرهم الآخرون غريبي الأطوار ومختلفين.
اضطراب الشخصية المرتابة (Paranoid personality):
يتميّز المصابون باضطراب الشخصية المرتابة، بفهمهم لسلوكيات الآخرين، على أنها موجهه لتهديد وإلحاق الأذى بهم. غالبًا ما يكون أصحاب هذه الشخصية كثيرو الشك، ومن الصعب أن يثقوا بالآخرين؛ وتشكل هذه التصرفات بالنسبة لهم آلية للحماية من المحيطين بهم، ومن الأضرار التي قد تلحق بهم، بسبب عدوانية وعدم نزاهة المحيطين. قد تشكل هذه التصرفات مشكلة حقيقية للمصابين بهذا الاضطراب، وقد تلحق الكثير من الضرر في حياتهم الاجتماعية, العملية, الزوجية وقد يسبب الإفراط فيها جلب كل المتاعب وحدوث الكوارث التي يخافون منها أصلاً، كالتسبب في الطلاق أو الفصل من العمل.
اضطراب الشخصية الانعزالية (Schizoid personality):
يتميّز المصابون بهذا الاضطراب بالانطوائية والانعزالية، ولا يشعرون بالحاجة لصحبة الآخرين. غالبًا ما يقومون بالنشاطات التي تتطلب الانعزالية. ويختار ذوو الشخصية الانعزالية العمل في مهن لا تتطلب العمل الجماعي. يفضل المصابون بهذا الاضطراب، في كثير من الأحيان، قضاء أوقاتهم في النشاطات الفكرية والنظرية، وأن يكرّسوا عواطفهم في الاهتمام بالحيوانات عوضًا عن اهتمامهم بغيرهم من البشر.
اضطراب الشخصية الفصامية (Schizotypal personality):
يشبه صاحب هذه الشخصية, الشخصية الانعزالية بعض الشيء، إلا أنه يكون أكثر غرابةً، وبطريقة تثير الانتباه لأسلوب الملبس والكلام. يؤمن عادة بالأفكار الفلسفية والغريبة. عادةً ما يكون المصابون بإضراب الشخصية الفصامية قليلو الارتباطات الاجتماعية ويجدون صعوبة في الاندماج مع الآخرين. يشبه عالمهم الداخلي عالم الأطفال، مليء بالأصدقاء الخياليين, ولديهم الكثير من المخاوف والتخيلات. وغالبًا ما يكونون عرضة للإصابة بالاكتئاب المزمن.
المجموعة الثانية:
تندرج ضمن هذه المجموعة أنواع الشخصيات المتلونة, كالأشخاص الذين تتسم سلوكياتهم بالحدة مع المحيطين بهم، وغالبًا ما تكون متضاربة وغير متناسقة؛ كما وتندرج الشخصيات الحدودية وغير الاجتماعية ضمن هذا التصنيف.
اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic personality disorder):
يشبه أصحاب هذه الشخصية, شخصية نركيس الأسطورية، الذي وقع في حب صورته المنعكسة على الماء، مستغرقًا بشؤونه دون الإحساس بوجود الآخرين. كثيرًا ما يشعر المصابون باضطراب هذه الشخصية بالتعالي، وبأنهم أصحاب شأن ويبنون التخيلات التي تشعرهم بأنهم متميزون ولامعون. يتصرفون أحيانًا، باستغلالية جليلة وينتظرون تلقي الاستحسان والتقدير الكبيرين من المحيطين بهم. لا تكون كل هذه التصرفات، في كثير من الأحيان، إلا ستارًا يداري شخصيتهم المهزوزة وشعورهم بالحاجة الدائمة إلى محفزات إيجابية، وتلقي الدعم من الآخرين. يجد أصحاب هذا الاضطراب صعوبة كبيرة في بناء العلاقات الشخصية، وغالبًا ما يعانون الوحدة, كما ويكونون عرضةً للإصابة بالاكتئاب، وخاصة مع التقدم في السن.
اضطراب الشخصية الهستيرية (Histrionic Personality Disorder):
قد يظن البعض أن غالبية المصابين بهذا الاضطراب، هم من جمهور السيدات, بسبب أن أصحاب هذه الشخصية يعانون فرط الحساسية ويسعون دومًا ليكونوا في مركز اهتمام الآخرين. يبالغون في التعبير عن عواطفهم، ويميلون إلى الخداع والمبالغة. قد تظهر تصرفاتهم مغرية بعض الشيء (بحسب الأفكار المسبقة للمتلقي). قد تستتر تحت هذا الغطاء معاناة عاطفية عميقة, بعيدة المدى، والتي تحتاج الكثير من التهدئة. يميل أصحاب هذا الاضطراب للإصابة بأمراض جسمانية مع انعدام وجود سبب عضوي حقيقي.
المجموعة الثالثة:
تندرج ضمن هذه المجموعة أنواع الشخصيات التي تبدو للآخرين وكأنهم دائمو الخوف والانزعاج وتضم:
اضطراب الشخصية التجنُّبية:
يشبه المصابون بهذا الاضطراب، أولئك الذين يعانون من اضطراب الشخصية الانعزالية, إذ يكونون في الغالب منعزلين ولا يرتاحون للاختلاط بالآخرين. إلا أنّ تجنّبهم الاختلاط بالآخرين، نابعٌ من استصغارهم للذات ولقدراتهم، واحتقارهم لأنفسهم بشكل مبالغ فيه. يحاول هؤلاء الأشخاص تجنب الاختلاط بالناس رغم رغبتهم الشديدة بالاختلاط, خوفًا من تلقي الانتقادات من الآخرين. عادةً ما يكونون كثيري الخجل, عديمي الثقة بأنفسهم وسريعي التأثر. تسبب لهم هذه الصفات الفشل في علاقاتهم الشخصية وفي حياتهم العملية.
اضطراب الشخصية الاعتمادية:
يتميز المصابون بهذا الاضطراب بإحساسهم بالخوف وباستصغارهم لأنفسهم, إلا أنّهم يتميّزون باحتياجهم للآخرين لمساندتهم في اتخاذ القرارات. توجد لديهم الدوافع في بناء علاقة اتكالية مع شخص آخر. كثيرًا ما يجعلهم هذا الاضطراب عرضةً لاستغلال الآخرين لهم. وعادة ما يقبلون هذه العلاقة التي يشوبها الاستغلال خوفًا من البقاء وحدهم. قد يعايش صاحب الشخصية الاعتمادية الكثير من الأضطرابات النفسية، عندما ينفصل عنه من يعتمد عليه.
اضطراب الشخصية الوسواسية:
يتميز أصحاب الشخصية الوسواسية بدقة التنظيم والتخطيط، وباهتمامهم الشديد بأدق التفاصيل وصغائر الأمور. عادة ما يجابهون الصعوبات في القيام بالمهام، بسبب نزعتهم للكمال, بحيث يهتمون بأن تنجز المهمات على أكمل وجه، حتى في أصغر التفاصيل. كذلك من الصعب عليهم الاشتراك مع الآخرين في الأعمال، لحرصهم المفرط في انجاز الأعمال بالطريقة المخطط لها، وعدم تقبلهم للتغيير والعفوية. قد ينظر إليهم البعض على أنّهم أصحاب مشاعر ضحلة، وقد ينظر إليهم آخرون على أنهم يحملون الضغينة. من السهل والملائم لهم العمل في الأعمال التي تتطلّب الكثير من الدقة في التفاصيل، مثل إدارة ورقابة الحسابات. وقد يكون هؤلاء عرضة للإصابة بالاكتئاب عند الظروف التي تتطلب الخروج عن الرتابة, مثل تلقيهم ترقية في مكان العمل.
اضطراب الشخصية العدائية – السلبية (Passive – aggressive):
يتميّز المصابون باضطراب الشخصية العدائية – السلبية، بعدم المقدرة على التعبير عن العدوانية ظاهريًّا وبشكل مباشر, بل يلجئون للتعبير عن هجوميتهم بالخفاء وبطرقِ ملتوية، مثل عدم النجاعة في العمل، الجدال, الشكوى والتذمر والنقد المبالغ فيه. كثيرًا ما يشعر أصحاب هذا الاضطراب بأنهم سيِّئو الحظ، وعادة ما يكونون كثيري الحسد للآخرين. يثيرون الكثير من الغضب في علاقاتهم مع الآخرين، وأحيانًا يجرّون على أنفسهم العداء بشكل ظاهر؛ لهذا السبب كثيرًا ما يفشل المصابون بهذا الاضطراب في بناء علاقتهم مع الآخرين، ويسبب لهم الضرر في مختلف مناحي حياتهم الشخصية, العملية والاجتماعية.
المُعالجة النفسيَّة
في السنوات الأخيرة، أمكنَ إحرازُ تقدُّمٍ كبير في مجال العلاج النفسي؛ والعلاجُ النفسي، الذي يُشار إليه باسم العلاج بالحَديث أو الكلام talk therapy أحيانًا، يَعمل على افتراض أنَّ شفاءَ معاناة الشخص يقع ضمن هذا الشخص نفسه، وأنَّه يمكن تسهيلُ هذا الشفاء من خلال علاقة داعمة موثوقة مع أحد المعالجين النفسيين؛ فمن خِلال خلق مناخٍ متعاطف ومقبول، غالبًا ما يكون المعالجُ قادرًا على مساعدة الشخص على تحديد مصدر المشاكل، والنظر في بدائل للتعامل معها؛ حيث غالبًا ما يؤدي الوعيُ العاطفي والبصيرة اللذان يكسبهما الشخصُ من خلال العلاج النفسي إلى تغيير في الموقف والسُّلُوك، ممَّا يسمح للشخص أن يعيشَ حياة أكثرَ اكتمالاً وأكثر إرضاء.
والعلاجُ النفسي مناسبٌ في مجموعةٍ واسعة من الحالات. وحتَّى الأشخاص الذين لا يعانون من اضطراب في الصحَّة النفسية قد يجدون العلاجَ النفسي مفيدًا في مواجهة بعض المشاكل، مثل صعوبات العمل أو التفجُّع أو المرض المزمن في الأسرة. كما أنَّ العلاجَ النفسي الجماعي (في مجموعة)، والعلاج الزواجي، والعلاج الأسري، كلها تُستخدَم على نطاقٍ واسع.
ويمارس معظمُ ممارسي الصحَّة النفسية واحدًا من ستة أنواع من العلاج النفسي: العلاج النفسي الداعم، أو التحليل النفسي، أو العلاج النفسي الدِّينمي، أو العلاج المعرفي، أو العلاج السُّلوكي، أو العلاج بين الأشخاص.
يقوم العلاجُ النفسي الداعم، الذي هو الأكثر استخدامًا، على علاقة متعاطفة وداعمة بين الشخص والمعالِج؛ ويُشجِّع على التعبير عن المشاعر، ويقدِّم المعالجُ المساعدةَ في حلِّ المشكلة. أمَّا العلاجُ النفسي الذي يركِّز على المشكلات Problem-focused psychotherapy، وهو شكلٌ من أشكال العلاج الداعم، يمكن استخدامُه بنجاح من قبل أطباء الرعاية الأوَّلية.
يعدُّ التحليل النفسي أقدمَ شكلٍ من أشكال العِلاج النفسي، وقد وضعه سيغموند فرويد في النصف الأوَّل من القرن العشرين؛ حيث يستلقي الشخصُ عادةً على أريكة في عيادة المعالِج، وذلك بمقدار 4 أو 5 مرَّات في الأسبوع، ويحاول أن يقولَ كلَّ ما يتبادر إلى ذهنه، وهي ممارسة تسمى التداعي الحرّ free association. ويركِّز ذلك كثيرًا على فهم كيفية تكرار أنماط العلاقات السَّابقة في الحاضر. وتكون العلاقةُ بين الشخص والمعالِج جزءًا أساسيًّا من هذا التركيز. إنَّ فهمَ كيفية تأثير الماضي في الحاضر يساعد الشخص على تطوير طرق جديدة وأكثر تكيُّفًا للأداء في العَلاقات وفي مواقع العمل.
يشدِّد العلاج النفسي الدينمي، مثله مثل التحليل النفسي، على تحديد الأنماط اللاواعية في الأفكار والمشاعر والسُّلُوكيَّات الحالية. ولكنَّ الشخصَ يجلس عادةً بدلا من أن يستلقي على الأريكة، ويحضر 1-3 جلسات فقط في الأسبوع. وبالإضافة إلى ذلك، يَجرِي التركيزُ بشكلٍ أقلّ على العلاقة بين الشخص والمعالج.
يساعد العلاجُ المعرفي المَرضَى على التعرف إلى المشاكل في التفكير، وفهم كيف تؤدِّي هذه المشاكل أو الانحرافات إلى مشاكل في حياتهم. ويفترض ذلك أنَّ كيفيةَ شعور المَرضَى وتصرُّفهم يعتمد على تفسيرهم للتجارب. ومن خلال التعرُّف إلى المعتَقدات والافتراضات الأساسيَّة، يتعلَّم المَرضَى أو الأشخاص التفكيرَ بطرقٍ مختلفة حولَ تجاربهم، والحدَّ من الأَعرَاض، ممَّا يؤدِّي إلى تحسين السُّلوك والمشاعر.
يرتبط العلاجُ السُّلوكي بالعلاج المعرفي. وفي بعض الأحيان، يَجرِي استخدام توليفة من الاثنين، ويُعرَف ذلك باسم العلاج المعرفي السُّلوكي cognitive-behavioral therapy.
إنَّ الأساسَ النظري للعلاج السُّلُوكي هو نظرية التعلُّم learning theory، والتي تقول إنَّ السُّلوكيات غير الطبيعية هي بسبب التعلُّم الخاطئ. وينطوي العلاجُ السُّلُوكي على عدد من المُداخلَات التي جَرَى تصميمُها لمساعدة الشخص على التغاضي عن أو نسيان سلوكيَّات سوء التكيُّف مع تعلُّم السُّلُوك التكيُّفي. يمثِّل العِلاجُ بالتعرُّض، والذي غالبًا ما يُستخدَم لعِلاج الرهاب، مثالاً على العلاج السُّلوكي.
جرى تصويرُ العلاج بين الأشخاص في البداية كعلاجٍ نفساني قصير للاكتئاب، وهو يهدف إلى تحسين نوعيَّة العلاقات لدى المصاب بالاكتئاب. ويركِّز هذا النوعُ العِلاجي على الحزن المستمرّ، والصراعات التي تنشأ عندما يُضطر المَرضَى إلى القيام بأدوار تختلف عن توقُّعاتهم (مثلًا، عندما تدخل المرأة في علاقة تتوقع أن تكونَ من خلالها أمًا في المنزل وتجد أنَّها يجب أن تكون المعيلَ الرئيسي للأسرة أيضًا)، والتحوُّلات في الأدوار الاجتماعية (مثل الانتقال من العمل النشِط إلى التقاعد)، وصعوبة التواصل مع الآخرين. وهنا، يقوم المعالجُ بتدريب الشخص على تحسين جوانب العلاقات الشخصية، مثل التغلُّب على العزلة الاجتماعية والاستجابة بطريقة أقلّ اعتيادية للآخرين.
أقسام المركز
مواعيد المركز
المركز يعمل طوال أيام الأسبوع | طوال 24 ساعة |
الكشف والمتابعة | بموعد مسبق |
المستشفى يعمل ليل نهار | في خدمة مرضانا |
0223106386
0223106386